رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالأيتام
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
اليتيم من حيث كونه يتيما أحق الناس أن يرحم، إذ ليس له
من يكفله وينفق عليه، أو يقوم بتربيته ويصلح اعوجاجه، فكفالة اليتيم
والقيام بأمره والرعاية بمصالحه أمر محبب لدى النفوس الطيبة وأصحاب الفطر
السليمة، ومحمود فى المجتمع البشري الصالح. ولكن المجتمع الذى بعث فيه نبي
الرحمة، اليتيم واللقى الضائع شيء واحد، ماله مغصوب، سبيله مسدود، حقه
مهضوم، بل كله مظلوم، إلى أن جاء محمد بن عبدالله رحمة للعالمين ونزل عليه
أكثر من عشرين آية في كفالة اليتيم ورعاية حقوقه والإحسان إليه ببالغ من
التأكيد والتشديد والتخويف. حتى نزل عليه قوله تعالى: "إن الذين يأكلون
أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً [1]"
والرسول
(صلى الله عليه وسلم) , نفسه ولد يتيما, ليعرف وليشعر ما لليتيم من حقوق,
ولذلك عقب الله تعالى قوله "ألم يجدك يتيما فآوى[2] " بقوله "فأما اليتيم
فلا تقهر". قال النيسابورى: قال أهل التحقيق: الحكمة في يتم النبي (صلى
الله عليه وسلم) أن يعرف قدر الأيتام، فيقوم بأمرهم، وأن يكرم اليتيم
المشارك له في الاسم [3].
وعن أبى هريرة عن النبى (صلى الله عليه
وسلم) قال خير بيت المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشر بيت من المسلمين
بيت فيه يتيم يساء إليه.[4]
وذكر فضل المرأه التى مات زوجها فحبست نفسها على تربية أولادها ولم تتزوج:
فعن
عوف بن مالك الأشجعى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: أنا وامرأة
سفعاء الخدين[5]. كهاتين يوم القيامة – وأوما يزيد (بن ذريع الراوى)
بالوسطى والسبابة – امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال، حبست نفسها على
يتاماها حتى بانوا[6]. أو ماتوا[7].
ولذلك أكدّ النبى (صلى الله
عليه وسلم) فى ذلك أيما تأكيد وأوصى بكفالتهم والإحسان إليهم وبيّن
الفضائل المترتبة على ذلك حتى قال: أناوكافل اليتيم فى الجنة هكذا. وأشار
بالسبّابة والوسطى وفرّج بينهما شيئاً[8]
وعن أبى أمامة أن رسول
الله قال: من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده
حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده، كنت أنا وهو فى الجنة كهاتين،
وفرق بين إصبعيه السّبابة والوسطى [9].
وكان رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) يخص بعض أصحابه بالأمر بالإحسان إلى اليتيم لما كان له عهد به
فقال للسائب بن عبدالله "ياسائب انظر أخلاقك التي كنت تصنعها فى الجاهلية
فاجعلها في الإسلام: اقرالضيف وأكرم اليتيم وأحسن إلى جارك[10]"
وكان
(صلى الله عليه وسلم) متورعاً شديداً فى أمراليتيم ويُكبرشأنه حتى كان
يوصى بعض اصحابه الذين يراهم ضعافاً عن القيام بمصالح اليتيم أن لا يتولوا
مال اليتامى. فقد روى أبوذررضي الله عنه فقال: قال لي رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) "يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، واني أحب لك ما أحب لنفسي، لا
تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ مال يتيم[11].
وكان (صلى الله
عليه وسلم) يشدد فى شأن اليتيم، قال مرة كما روى عنه أبوهريرة: اللهم اني
أُحَرِّجُ حق الضعيفين: اليتيم والمرأة.[12]
المعنى: أحرّج عن هذا الإثم، بمعنى عن أن يضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيراً بليغاً، وأزجر عنه زجراً أكيداً. قاله النووى[13]
وكان
(صلى الله عليه وسلم) يرى علاج قسوة القلب فى مسح رأس اليتيم. فعن أبى
هريرة "أن رجلاً شكا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قسوة قلبه: فقال
له (صلى الله عليه وسلم) . امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين[14]."
وكان
صلى الله عليه وسلم يتولى بعض الأيتام بنفسه, منهم أولاد جعفر بن أبى
طالب. فعن عبدالله بن جعفررضي الله عنهما قال: بعث رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال فإن قتل زيد أواستشهد
فأميركم جعفر , فإن قتل أو استشهد فأميركم عبدالله بن رواحة.وذكر حديثا
طويلاً وفيه أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: اللهم اخلُف جعفراً فى أهله،
وبارك لعبدالله فى صفقة يمينه"
قالها ثلاث قال (أي عبدالله بن
جعفر): فجاءت أمّنا فذكرت له يُتمنا، وجعلت تُفرِح له، فقال: العَيْلَةَ
تخافين عليهم وأنا وليهم فى الدنيا والآخرة[15]
ولم تكن رحمته
(صلى الله عليه وسلم) بالأيتام مقصورة على يتامى أهله وقبيلته أو يتامى
المسلمين بل قد تعدتهم إلى أيتام غير المسلمين. وكان يرحم اليتامى من حيث
كونهم يتامى بغض النظر عن دينهم أو نسبتهم؛ فعن عمران بن حصين قال: كنت مع
نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسير له. فأدلجنا[16] ليلتنا.حتى إذا كان
في وجه الصبح عرّسنا[17]. فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس. قال: فكان أول من
استيقظ منا أبوبكر. وكنا لا نوقظ نبي الله صلى الله عليه وسلم من منامه
إذا نام, حتى يستيقظ.ثم استيقظ عمر، فقام عند نبي الله صلى الله عليه
وسلم.فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير. حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه
وسلم.فلما رفع رأسه و رأى الشمس قد بزغت قال "ارتحلوا" فسار بنا حتى إذا
ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا. فلما
انصرف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم"يا فلان ما منعك أن تصلي معنا؟
"قال: يا نبي الله!أصابتنى جنابة. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتيمم بالصعيد. فصلى.ثم عجلني فى ركب بين يديه، نطلب الماء. وقدعطشنا عطشا
شديدا.فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة[18] رجليها بين مزادتين[19].
فقلنا لها: أين الماء! قالت: أيهاه. أيهاه[20]. لاماءلكم, قلنا: فكم بين
أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة. قلنا: انطلقي إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم. قالت: وما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئا[21] حتى
انطلقنا بها. فاستقبلنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسألها فأخبرته
مثل الذى أخبرتنا. وأخبرته أنها موتمة - لها صبيان أيتام -
فأمربراويتها[22]. فأنيخت. فمج في العزلاوين[23] العلياوين. ثم بعث
بروايتها, فشربنا. ونحن أربعون رجلا عطاش حتى روينا. وملأنا كل قربة معنا
وإداوة. وغسلنا صاحبنا[24]. غير أنا لم نسقِ بعيرا. وهي تكاد تنضرج[25] من
الماء (يعني المزادتين) ثم قال "هاتواما كان عندكم, فجمعنا لها من كسرٍ
وتمر، وصَر لها صُرة[26].فقال لها: اذهبي فأطعمي هذا عيالك. واعلمي أنا لم
نرزأ[27] من مائك .فلما أتت أهلها قالت: لقد لقيت أسحر البشر. أو إنه النبي
كما زعم.كان أمره ذيت وذيت[28]. فهدى الله ذلك الصرم[29] بتلك المرأة
فأسلمت وأسلموا.[30]