الفصل الثالث ذكر بعثته صلى الله عليه وسلم "رحمة"
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
لقد ظهر جلياً مما تقدم أن العالم كان أحوج ما يكون إلى
رحمة عامة شاملة تمسك بيده و تنتشله من حضيض الهلاك والدمار ألا وهي
الرحمة محمد بن عبد الله الأمين المبعوث رحمة للعالمين .
وقد وعد
الله على لسان الأنبياء والرسل الذين مضوا كما تقدم بعض ذلك في الفصل الأول
بأن العالم إذا ساد فيه الظلام و تلاشى الأمن والسلام يبعث في جزيرة العرب
في البلد الأمين محمداً خاتم النبيين رحمة للعالمين, فوفى بوعده وهو
لايخلف الميعاد. فلما بعثه أكد على ذلك.وشهد بأنه قد بعثه رحمة للعالمين،
وأي شيىء أكبر شهادة من الله فقال: "وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين".[1]
وقد وردت أحاديث و أثار كثيرة أن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعباد، رحمة للخلق، رحمة للعالمين.
وشق صدره حينما كان صغيراً و أدخل فيه الرأفة والرحمة.
فعن
أبي بن كعب: أن أبا هريرة كان جريئا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره،فقال:يا رسول الله،ما أول ما رأيت من أمر
النبوة؟فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساًوقال: "لقد سألت أبا
هريرة!إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي،وإذا رجل
يقول لرجل:أهوهو؟قال:نعم،فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم
أجدها من خلق قط،وثياب لم أرها على أحد قط،فأقبلا إلي يمشيان، حتى أخذ كل
واحد منهما بعضدي، لا أجد لأخذهما مساً،فقال أحدهما لصاحبه:أضجعه.فأضجعاني
بلا قصر ولا هصر. فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره،فهوى أحدهما إلى صدري،
ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع ،فقال له أخرج الغل والحسد،فأخرج شيئا
كهيئة العلقة، ثم نبذها فطرحها،فقال له:أدخل الرأفة والرحمة،فإذا مثل الذي
أخرج يشبه الفضة،ثم هز إبهام رجلي اليمني فقال اغد واسلم, فرجعت بها أغدو
به رقة علي الصغيرورحمة للكبير[2].
وعن عائشة رضي الله عنها : أن
أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة، حين أراد الله
كرامته و رحمة العباد به: الرؤيا الصادقة، لايرى رسول الله صلى الله عليه
وسلم رؤياً في نومه إلا جاءت كفلق الصبح.[3]
وصرح النبي صلى الله عليه وسلم في روايات كثيرةأنه بعث رحمة
فعن
أبي ثعلبة الخشني عن معاذ بن جبل وأبي عبيدة بن الجراح قالا: قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم إن هذاالأمر بدأ رحمة ونبوة ....[4]
وعن أبي هريرة y قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بعثت رحمة مهداة".[5]
وفي رواية عنه "إنما بعثت رحمة مهداة"[6].
وفي لفظ عنه: "إنما أنا رحمة مهداة".[7]
قال
المناوي في شرحه: أي ذو رحمة أو مبالغ في الرحمة حتى كأني عينها، لأن
الرحمة ما يترتب عليها النفع ونحوه، و ذاته كذلك. و إذا كانت ذاته رحمة
فصفاته التابعة، لذاته كذلك فالمعنى ما أنا إلا ذو رحمة للعالمين أهداها
الله تعالى إليهم فمن قبل هدايته أفلح ونجا، و من أبى خاب و خسر.[8]
وعن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بعثت رحمة وهدى للعالمين".[9]
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين".[10]
وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع على المشركين قال "إني لم أبعث لعاناً و إنما بعثت رحمةً".[11]
و أخرج ابن سعد عن معبد بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعلمون أني رحمة مهداة".[12]
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر مرفوعاً "إن الله تعالى بعثني رحمة مهداة"[13]
قال
المناوي لأنه حُشي بالرحمة والرأفة، فاستنار قلبه بنور الله، فرقت الدنيا
في عينه فبذل نفسه في جنب الله، فكان رحمةً، ومفزعاً، ومأمناً، وغياثاً،
وأماناً، فالعذاب لم يقصد من بعثه.
وقال وفي الباب نحوه عن جمع صحابيين.[14]
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت مرحمة".[15]
وفي رواية إن الله بعثني نبياً مرحمةً.[16]
وقال مرة كما روي عنه سلمان الفارسي:وإنما بعثني رحمة للعالمين.[17]
وجاء
في حديث جابر في قصة هجران النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه شهراً، أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله لم يبعثني مُعنفاًولكن بعثني
مُعلماً مُيسراً".[18]
وعندأبي يعلي بلفظ "إن الله لم يبعثني معنفاً ولكن بعثني معلماميسراً"[19]
وفي رواية لأحمد "لم يبعثني معنفاً أو مفتناً"[20]
وأخرج
أبو داود عن عبد الله بن بسر قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم: "إن الله
تعالي جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً"[21]
وعن المسوربن مخرمة قال خرج رسول الله على أصحابه فقال : إن الله عزوجل بعثني رحمة للناس كافةًَ[22]