ذكر شيء من خبر دانيال عليه السلام
قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن عبد الأعلى الشيباني قال : إن لم أكن سمعته من شعيب ابن صفوان فحدثني بعض أصحابنا عنه ، عن الأجلح الكندي ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال ك ضرا بختنصر أسدين فألقاهما في جب ، وجاء بدانيال فألقاه عليهما فلم يهيجاه ، فمكث ما شاء الله ثم اشتهى ما يشتهي الآدميون من الطعام والشراب فأوحى الله إلى أرميا وهو بالشام : أن اعدد طعاماً وشراباً لدانيال ، فقال : يا رب أنا بالأرض المقدسة ودانيال بأرض بابل من أرض العراق فأوحى الله إليه : أن أعدد ما أمرناك به فإنا سنرسل من يحملك ويحمل من أعددت ففعل وأرسل إليه من حمله وحمل ما أعده حتى وقف على راس الجب فقال دانيال : من هذا ؟ قال : أنا أرميا فقال : ما جاء بك ؟ فقال : أرسلني إليك ربك قال : وقد ذكرني ربي ؟ قال : نعم فقال دانيال : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره والحمد لله الذي يجيب من رجاه ، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره ، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاه ، والحمد لله الذي هو يكشف ضرنا بعد كربنا ، والحمد لله الذي يقينا حين يسوء ظننا بأعمالنا ، والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن أبي خالد بن دينار ، حدثنا أبو العالية قال : لما افتتحنا تستر وجدنا في مال بيت الهرمزان سريراً عليه رجل ميت عند رأسه مصحف ، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب فدعا له كعباً فنسخه بالعربية ، فأنا أول رجل من العرب قراه ، قرأته مثل ما أقرأ القرآن هذا فقلت لأبي العالية ، ما كان فيه ؟ قال : سيركم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد ، قلت : فما صنعتم بالرجل ؟ قال : حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة ، فلما كان بالليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس فلا ينبشونه قلت : فما يرجون منه ، قال : كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون قلت : من كنتم تظنون الرجل : قال : رجل يقال له دانيال قلت : منذ كم وجدتموه قد مات ؟ قال : منذ ثلاثمائة سنة قلت : ما تغير منه شيء ؟ قال : إلا شعرات من قفاه ، إن لحون الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع
وهذا إسناد صحيح إلى أبي العالية ، ولكن إن كان تاريخ وفاته محفوظاً من ثلاثمائة سنة فليس بنبي بل هو رجل صالح ، لأن عيسى ابن مريم ليس بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نبي بنص الحديث الذي في البخاري ، والفترة التي كانت بينهما أربعمائة سنة ، وقيل ستمائة وقيل ستمائة وعشرون سنة ، وقد يكون تاريخ وفاته من ثمانمائة سنة وهو قريب من وقت دانيال ، إن كان كونه دانيال هو المطابق لما في نفس الأمر ، فإنه فد يكون رجلاً آخر إما من الأنبياء أو الصالحين ، ولكن قربت الظنون أنه دانيال لأن دانيال كان قد أخذه ملك الفرس فأقام عنده مسجوناً كما تقدم
وقد روى بإسناد صحيح إلى أبي العالية أن طول أنفه شبر ، وعن أنس بن مالك بإسناد جيد أن طول أنفه ذراع ، فيحتمل على هذا أن يكون رجلاً من الأنبياء الأقدمين قبل هذه المدد والله تعالى أعلم
وقد قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب أحكام القبور : حدثنا أبو بلال محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري حدثنا أبو محمد القاسم بن عبد الله ، عن أبي الأشعث الأحمري ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " إن دانيال دعا ربه عز وجل أن تدفنه أمة محمد " فلما افتتح أبو موسى الأشعري تستر وجده في تابوت تضرب عروقه ووريده ، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " من دل على دانيال فبشروه بالجنة " فكان الذي دل عليه رجل يقال له حرقوص فكتب أبو موسى إلى عمر بخبره فكتب إليه عمر : أن ادفنه وابعث إلى حرقوص فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) بشره بالجنة
وهذا مرسل من هذا الوجه وفي كونه محفوظاً نظر والله أعلم
ثم قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو بلال ، حدثنا قاسم بن عبد الله عن عنبسة بن سعيد - وكان عالماً - قال : وجد أبو موسى مع دانيال مصحفاً وجرة فيها ودك ودراهم وخاتمه ، فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر : أما المصحف فابعث به إليها ، وأما الودك فابعث إليه منه ومر من قبلك من المسلمين يستشفون به وأقسم الدراهم بينهم ، وأما الخاتم فقد نفلناكه
وروى ابن أبي الدنيا من غير وجه : أن أبا موسى لما وجده وذكروا له أنه دانيال التزمه وعانقه وقبله ، وكتب إلى عمر يذكر له أمره وأنه وجده عند مالا موضوعاً قريباً من عشرة آلاف درهم ، وكان من جاء اقترض منها فإن ردها وإلا مرض وإن عنده ربعة ، فأمر عمر بأن يغسل بماء وسدر ويكفن ويدفن ويخفي قبره فلا يعلم به أحد ، وأمر بالمال أن يرد إلى بيت المال وبالربعة فتحمل إليه ونفله خاتمه
وروي عن أبي موسى أنه أمر أربعة من الأسراء فسكروا نهراً وحفروا في وسطه قرباً فدفنه فيه ، ثم قدم الأربعة الأسراء فضرب أعناقهم فلم يعلم موضع قبره غير أبي موسى الأشعري رضي الله عنه
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ، حدثنا ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : رأيت في يد ابن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري خاتماً نقش فصه أسدان بينهما رجل يلحسان ذلك الرجل ، قال أبو بردة : وهذا خاتم ذلك الرجل الميت الذي زعم أهل هذه البلدة أنه دانيال أخذه أبو موسى يوم دفنه ، قال أبو بردة : فسأل أبو موسى علماء تلك القرية عن نقش ذلك الخاتم فقالوا : إن الملك الذي كان دانيال في سلطانه جاءه المنجمون وأصحاب العلم فقالوا له : إنه يولد كذا وكذا غلام يغور ملكك ويفسده ، فقال الملك : والله لا يبقى تلك الليلة غلام إلا قتلته ، إلا أنهم أخذوا دانيال فألقوه في أجمة الأسد فبات السد ولبؤته يلحسانه ولم يضراه فجاءت أمه فوجدتهما يلحسانه فنجاه الله بذلك حتى بلغ ما بلغ قال أبو بردة : قال أبو موسى : قال علماء تلك القرية : فنقش دانيال صورته وصورة الأسدين يحلسانه في فص خاتمه لئلا ينسى نعمة الله عليه في ذلك إسناد حسن